الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشكلة التعبير متوارثة لدى عائلتي، فهل يمكن التخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا واحد من أسرة تعاني من مشاكل نفسية، ولست أحزن بسبب هذه الأمراض بقدر ما أحزن من الآثار الاجتماعية التي صاحبتها؛ من اضطهادات، وسخرية، ومقاطعة من الأهل والأقارب، الذين باتوا ينظرون إلينا كأننا متخلفون أو متأخرون.

سأبدأ بمشكلة أخي الأكبر؛ إذ يعاني من بطء في التعلم والتطور، وضعف في اللغة، واضطرابات سلوكية، ومع ذلك، يقبله الناس إلى حد ما، ربما لأن ألفاظه تُثير الضحك، وأسلوب حديثه الناتج عن ضعف لغته يراه البعض طريفًا، ورغم ذلك، يظهر بشخصية مرحة، ويتعامل معه الناس بمحبة وود.

ننتقل إلى أخي الثاني، والذي يعتبره الناس الأكثر صحة بيننا، وهذا صحيح إلى حد كبير، فهو ذكي جدًا، وماهر، وسريع الفهم والاستيعاب، وغالبًا ما يتفوق في المجالات التي تتطلب الذكاء، كان يعاني من التلعثم، لكنه تخلص منه تلقائيًا، لا يعاني من خجل مفرط، لكنه يحمل بعض السلبيات التي قد لا يلاحظها الناس، مثل قلة تواصله العاطفي مع العائلة وقلة حديثه، رغم تحمله الكبير للمسؤوليات وانضباطه في أداء مهامه، وهو شخص انطوائي إلى حد ما، يختار أن يجالس عددًا محدودًا من الأشخاص.

أمَّا عني، فأنا الثالث، ويعتقد بعض الناس أنني أكثر تخلفًا من إخوتي، بينما يرى آخرون العكس.

مشكلتي لها جذور وراثية مشتركة مع إخوتي، ولكن الجزء الأكبر منها مكتسب؛ نتيجة ما تعرّضت له من احتقار وإساءة واضطهاد منذ الطفولة، أملك العديد من المواهب، لكنها مدفونة تحت ظلام المرض النفسي.

أعاني من التلعثم، وضعف التعبير اللفظي، ولا أعلم ما إذا كنت قادرًا على الشفاء في ظل استمرار الظروف التي سببت هذا المرض، وهي كثيرة ومؤلمة، كلما تذكّرتها، أفكر في الانتحار، ويصيبني ألم في صدري، وصعوبة في التنفّس.

أصبحت الآن غير لائق للعمل بسبب ضعف التركيز والفهم، ولأنني لا أستطيع مقاومة سيل من الأفكار السلبية والإيجابية المختلطة، التي ترافقني دائمًا، وتتسبب في كمٍّ هائل من الانتقادات من حولي.

نأتي إلى الرابع، وهي أختي الصغيرة، والتي لم ألحظ لديها أي سلبيات تُذكر، بل إنها تشبه أخي الأكبر، وتتفوق على كثير من زملائها في جوانب عديدة.

أما الخامس، فهو أخي الصغير، ويقال إنه يشبهني في أشياء كثيرة، ومن الجانب الإيجابي فهو ذكي نسبيًا، وكثير الفهم، وبارع في الكتابة، وخطه جميل، وكثيرون يلجؤون إليه لكتابة الرسائل أو المعاريض، ومن الجانب السلبي: فهو انطوائي، خجول، يعاني من التلعثم، وضعيف في التعبير اللفظي، ويتحدث بأسلوب قديم، ويتصرف كالكبار رغم صغر سنه، وكأنه زاهد أو حكيم، وهو قليل الكلام أيضًا، رغم أنه حافظ لكتاب الله، لكنه يتعرض للسخرية والاضطهاد كما يحدث لي.

السادس هو أخي الآخر، الذي يشبه أخي الأكبر في بعض الأمور، ويشبهني في بعضها، وهو الأكثر صمتًا بيننا، لا يتحدث إلا نادرًا، ويعاني أيضًا من التأتأة والخجل الشديد، وليس له أصدقاء رغم فهمه لبعض الأمور.

السابعة هي أختي الصغيرة، ولم ألحظ عليها سوى صعوبة في التعلُّم.

الثامنة هي أختي الأخرى، وتشبه أخي الأكبر في أشياء كثيرة، لكنها لا تعاني من الخجل، بل هي قليلة الفهم والاستيعاب، تتصرف كأنها أصغر من عمرها، وتبكي لأتفه الأسباب، أشعر أنها ربما تعاني من تأخّر عقلي بسيط، وأمي تذكر أن كل واحد منا مرّ بمرحلة البكاء الشديد في الطفولة، لا أعلم إن كان لهذا علاقة بما نعانيه الآن.

أما التاسعة، وهي أختي الصغيرة جدًّا، فلم تظهر عليها أعراض واضحة بعد، ربما لصغر سنها، وكذلك أصغر إخوتي.

الخلاصة: إن معظمنا يعاني من الخجل الزائد، لدرجة أنه يعيق تواصلنا حتى فيما بيننا، فضلًا عن الآخرين، كما نعاني عمومًا من ضعف التعبير اللفظي، فهل يمكن التخلص من هذه الأعراض؟

شكرًا لكم على سعة صدركم واهتمامكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، واهتمامك بأمر أسرتك وإخوتك.

حقًا، الطريقة التي كتبت بها هذه الرسالة، وترتيب الأفكار التي حوتها لا تدل أبدًا على أنك تعاني من أي علة حقيقية، فيما يخص مقدراتك العقلية والتعبيرية.

فيا أخي، شعرت أنك ربما تكون إنسانًا قلقًا، وتعاني من بعض الوساوس والمخاوف، وترغب بصدق أن تكون أسرتك مختلفة عما هي عليه، وبرغم أن ما ذكرته عن إخوتك في جوانب كثيرة أمر طبيعي جدًا، فأنتم من يحفظ كتاب الله، ويوجد تواصل معقول بينكم، والأسرة مستورة الحال.

لذا أقدر ما ذكرته جدًا، لكن في الوقت نفسه ينتابني شعور بأنك حمّلت نفسك فوق طاقتها، فكبرت وتضخمت لديك بعض الصعوبات البسيطة التي يعاني منها إخوتك.

أنصحك أن تركز على الجانب الإيجابي في الأسرة، ومن الواضح أنك بخير ولله الحمد، ربما تعاني من هذه المخاوف وهذه الحساسية في التفكير، وشيئًا من القلق والوساوس كما ذكرت، وفي هذا السياق أرى أن تناول أحد الأدوية المضادة للوساوس قد يفيدك كثيرًا.

هناك دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft) أو (لوسترال، Lustral)، ويسمى علميًا (سيرترالين، Sertraline)، من وجهة نظري، سوف يفيدك ويمنحك الراحة النفسية والهدوء، ليخفف من تلك الأفكار المزعجة.

الجرعة المقترحة هي 50 ملغ يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم تخفض الجرعة إلى حبة -50 ملغ- يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم يمكن التوقف عن تناول الدواء.

لا أصفك أبداً بأنك مريض، وإنما هي ظاهرة نفسية ظهرت على شكل قلق وهواجس ووساوس، ونرى أن الدواء قد يساعدك كثيرًا في تخفيفها، وهذا لا يعني تجاهل الجوانب الأسرية الأخرى، فحاول قدر الإمكان مساعدة أفراد أسرتك من خلال التوجيه التعليمي والأكاديمي، وأن يشجع كل واحد منهم على الاجتهاد في محيط عمله.

ولا أرى أي مشكلة في التواصل الاجتماعي لديك، ولا أريدك أن تحمل همومًا كبيرة ربما تكون غير موجودة، أو موجودة بدرجة أقل بكثير مما تتصور.

القلق الذي تشعر به دافعُه الغيرة على أسرتك والانتماء لها، وهذا أمر طيب بلا شك، وإن وجدت نواقص في الأسرة، فاعتبرها ابتلاءً، وادعِ لهم وادعِ لنفسك.

نسأل الله لكم التوفيق والسداد، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً