الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أعالج الرهاب الاجتماعي سلوكيًا وليس دوائيَا؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طبيبة، أعمل في مجال الاختصاص، وبقي على إنهائي للاختصاص سنة ونصف.

المشكلة بدأت عندما مررت بظروف صعبة، ومشاكل متواترة خلال الخمس سنوات الأخيرة، مما أدى بي إلى ما يسمى بالرهاب الاجتماعي الذي يصيبني، وأنا في مجال عملي، المشكلة الآن أنني عندما استخدمت السيبرالكس استفدت كثيرًا، وتركته بعد أربعة أشهر، ولكن للأسف عادت المشكلة، وبشكل أشد، وأشمل من السابق، فقد كنت في البداية أعاني من الخوف عندما أحضر الاجتماع الصباحي كما يتطلب عملي، والآن أصبحت ينتابني الخوف عند التحدث مع الآخرين، وعند صعود الدرج، وعند ركوب المصاعد؛ فأنا أشعر بخوف شديد، لدرجة أني أريد أن أصرخ، أو أهرب (شعور مؤلم جدًا).

المهم عدت للسيبرالكس، وتحسنت حالتي مرةً ثانيةً، ولكن حصل أن تزوجت في هذه الفترة، وتفاجأت بمشاكل الاضطرابات الجنسية، وعدم الوصول للذروة -اعذروني أرجوكم-، وبدأ زوجي ينزعج كثيرًا، وطلب مني ترك الدواء، فتركته؛ فقد سبب لي الدواء اضطرابات جنسية، وأخشى من تأثيره على الحمل، وقد طلبت من زوجي الرجوع للدواء، وأن نؤجل الحمل، فرفض، وقال: إما الدواء ونجاحك في العمل، وإما حياتك الزوجية، فهو يريدني أن أواجه هذه المخاوف من غير أدوية، ولكني فشلت كثيرًا.

أرجوكم: أريد حلاً، لقد كنت إنسانةً متفوقةً، واجتماعيةً، ومرحةً، ولكن مستقبلي في خطر، وزواجي في خطر، حيث تزوجت منذ شهر فقط.

فأرجو منكم إيجاد أي بدائل لي، وأن ترشدوني إلى الذين تخلصوا من هذه المشكلة، وهل فعلاً يمكن التخلص منها للأبد؟

وشكرًا لكم مسبقًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الرهاب الاجتماعي هو أحد صنوف القلق النفسي المنتشرة، وعلاجه يقوم على تعديل السلوك، وتناول الأدوية، وهنالك مدارس تتبنى العلاج السلوكي فقط، ومدارس تفسير أخرى ترى أن العلاج الدوائي هو الأمثل والأفضل، وذلك اعتمادًا على أن هذه العلة هي علة بيولوجية أكثر من أن جذورها نفسية، وبين المدرستين توجد المدرسة التي تجمع ما بين العلاج السلوكي، والعلاج الدوائي، وهذه هي التي نرى أنها أكثر واقعيةً وإفادةً للناس.

وبما أن الرهاب الاجتماعي هو نوع من أنواع القلق النفسي، فقد تتولد معه أو بعده مخاوف أخرى متعددةً، مثل: ما يعرف برهاب الساحة؛ وهو الخوف من الأماكن المزدحمة، أو حتى المغلقة، وهنالك أيضًا الخوف من المرتفعات، وأنواع أخرى من المخاوف البسيطة.

وبما أنك طبيبة، فبالطبع أنت ملمة إلمامًا تامًا بهذه الحالة، فلا تضخمي هذه المشكلة، وتفهمك لطبيعتها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حولها سيكون أول خطوات العلاج الناجح، أعني بتفهمها أن تكوني مستبصرةً استبصارًا كاملاً أن المخاوف هي نوع من القلق، وليس أكثر من ذلك، وأنها مكتسبة، والشيء المكتسب يمكن أن يُفقد، وذلك بضده، وأن المخاوف ليست دليلاً أبدًا على ضعف شخصية الإنسان، أو قلة إيمانه، وأن القلق النفسي أيّاً كان يمكن أن يحوله إلى قلق إيجابي.

هذه مفاهيم مهمة وضرورية، وأود أن أركز على الربط بين المشاعر الداخلية المصاحبة للرهاب الاجتماعي، وبين حجم المشكلة الحقيقية؛ لأن استشعار المتغيرات الفسيولوجية: كتسارع ضربات القلب، والرعشة، والتعرق، والشعور النفسي الداخلي بأن الإنسان ملاحظ، ومراقب من الآخرين، وأنه سوف يفقد السيطرة على الموقف، وأنه سوف يُحرج أمام مشاهديه، هذه المشاعر مبالغ فيها، وليست صحيحةً.

وقد أجرى أحد الباحثين تجربةً علميةً، رائعةً جدًا، وهو: أنه قام بتصوير الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي، في مواقف اجتماعية تطلبت المواجهة الشديدة، وكان التصوير دون علمهم، وبعد انتهاء المواجهة تمت مدارسة هذا الموقف من خلال التصوير الذي تم، وقد عُرض بالطبع على الشخص الذي يعاني من الخوف الاجتماعي، وكان الأمر واضحًا وجليًا، وأن مشاعر هؤلاء من خوف، ورهبة، وتصورهم للمتغيرات الفسيولوجية كانت أقل بنسبة سبعين بالمائة، مما كانوا يعتقدون في الأصل، وهذه التجربة تجربة مقنعة، ومهمة، وتذكر نتائج هذه الدراسة المنهجية سوف يفيدك جدًا.

الأمر الثاني: في ما يخص العلاج السلوكي، والذي أتمنى أن تتواصلي مع أحد الأخصائيين النفسانيين ببلدك، ليرتب لك البرامج، ويتابع معك التطبيق، والتقدم العلاجي الخاص بتعديل السلوك.

هناك خطوات تتبع التفهم الكامل للحالة كما شرحناه مسبقًا، وهذه الخطوات هي: تطبيق المبدأ السلوكي الذي يقوم على التعريض، أو التعرض، ومنع الاستجابة السالبة، أي أن تعرضي نفسك للموقف دون أن تنسحبي منه، والتعريض إما أن يكون في الخيال أولاً، ثم يكون في الواقع، أو يبدأ بتطبيقه في الواقع مباشرةً.

والتطبيق في الخيال: هو أن تجلسي في مكان هادئ، وتصوري نفسك أمام جمع كبير من الناس، وقد طُلب منك أن تقدمي عرضًا لموضوع معين، وهذه الممارسة يومية، يقوم بها الأطباء، والاجتماع الصباحي يعتبر اجتماعًا بسيطًا ومألوفًا، ويجب أن لا يشكل لك أي خوف، أو حواجز نفسية، وأن تصوري أنك في هذه المواقف، ويجب أن تقومي بجلسة أو جلستين يوميًا، ويا حبذا إذا قمت بالفعل بما يمكن أن نسميه بلعب الدور، أو السيكودراما، وذلك بأن تتخيلي نفسك في هذه المواقف، وتقومي بالفعل بتقديم الموضوع الموكل إليك، وتقومي بتصوير نفسك، ثم مشاهدة ما قمت بتصويره.

الخطوة الثانية: أن تضعي برامج يومية تقوم على المواجهات الفعلية والتطبيقية، بمعنى آخر أن التجنب يزيد من الخوف والرهاب والمواجهة تؤدي إلى شعور بالخوف والرهبة أولاً، وهذا ما نسميه بقلق الأداء، بعد ذلك يبدأ هذا القلق في الانخفاض التدريجي إلى أن ينتهي تماماً، وما أقوله أمور معلومة بالنسبة لك، والذي أود أن أؤكده لك أن التطبيق ليس بالصعب، وأن مشاعرك والتغيرات الفسيولوجية ليست كلها حقيقة، بل مبالغ فيها.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أتفق معك أن الأدوية مثل: السبرالكس، والزيروكسات قد تسبب مصاعب جنسية، وهذه المصاعب الجنسية أكثر لدى الرجال، ولكن بدأت تظهر لدى بعض النساء أيضًا، وخاصةً إذا كانت المرأة ذات ثقافة عالية، ولا شك أن وضعك كطبيبة جعلك أكثر عرضةً لأن تتجسم هذه الأعراض لديك، أنا لا أقول أن هناك أي نوع من التوهم، إنما لا يمكننا أن نتجاهل أنك طبيبة، ولذا حدث شيء من الجانب النفسي فيما يمكن أن نسميه بالصعوبات الجنسية، وهنا أيضًا سوف يفيدك التجاهل كثيرًا.

هناك عقار بروزاك -فلوكستين المعروف- ربما يكون هو أقل هذه الأدوية في التأثير الجنسي السلبي، إذا تم تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وربما يكون نفعه بنفس إفادة السبرالكس، أو الزيروكسات، ولكنه يمكن أن يخفض الأعراض بنسبة خمسين بالمائة، وهذا بالطبع يمكن أن يمهد لك التطبيقات السلوكية، ولذا أعتقد أنه يمكن أن تتناولي البروزاك بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، ويتميز البروزاك أيضًا بأنه سليم، ويمكن تناوله مع الحمل حتى في المرحلة الأولى، أي مرحلة تخليق الأجنة، ولكن لا شك أنه من الأفضل أن لا تتناول المرأة الحامل أي دواء.

إذًا: هذا هو الحل الوسطي من وجهة نظري، وهو تناول البروزاك بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وسيكون حلاً جيدًا، مع ضرورة التركيز على العلاجات السلوكية، وأرجو أن تقدمي نفسك إلى إحدى الأخصائيات النفسيات، وليس هناك حرج حيال هذا الموضوع.

تمارين الاسترخاء أيضًا تعتبر مهمةً، ومفيدةً، والتصور الإيجابي عن الذات مهم، ومحاربة الأفكار المشوهة عن النفس مهمة، وقد وهبك الله مجالاً من العلم والمعرفة، ومركزًا مرموقًا، وأعطاك الزوج الصالح، ولا بد أن لديك إيجابيات أخرى كثيرةً وعظيمةً في حياتك، وعليك أن تتذكريها.

علاج الرهاب الاجتماعي الأساسي هو: التجاهل، والإصرار على المواجهة، والثقة في الذات، وعليك بالدعاء، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله لك الشفاء والعافية.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً