الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أتخلص من حالة القلق والخوف من الموت التي تحاصرني؟

السؤال

السلام عليكم.

إلى الدكتور/ محمد عبد العليم.

هذه أول مشاركة لي في موقع الكتروني، وعندما قرأت ردودك أحسست بأني -بإذن الله- سأجد الحل لمعاناتي.

فأنا امرأة متزوجة، أبلغ من العمر 29 سنةً، موظفة، ولدي طفلة في السنة الثانية من العمر.

بدأت معاناتي منذ 8 سنوات تقريبًا، عندما كنت في السنة الثانية في الكلية، حيث بدأت أحس بضيق وقلق عند دخولي إلى الكلية، وبارتباك أحيانًا عند حديثي مع أساتذتي، وزميلاتي، وأحيانًا عند مشاركتي في القاعة الدراسية، ومع الوقت بدأ هذا الإحساس يتزايد ويكبر، حتى وأنا مع بعض من أهلي، وإخوتي، وصديقاتي، وكنت أحاول جاهدةً أن أخفي ما أحس به عن الجميع؛ على أمل أنها ستكون فترةً وتنتهي.

ولكن حالتي بدأت تسوء، وعند التحاقي بالوظيفة، تحسنت حالتي النفسية نوعًا ما، ولكنها بدأت تسوء مع الوقت، فأصبحت أرتبك كثيرًا، والقلق والتوتر يسيطران علي، وتزوجت، وحملت في نفس الشهر، وحالتي النفسية تزداد سوءًا، فأصبحت أكره الذهاب للعمل، وأكره حضور الاجتماعات والدورات التدريبية؛ خوفًا من أن يطلب مني المشاركة، لأنني عندها ستبدأ دقات قلبي بالخفقان بسرعة، وسأرتبك، ونبرة صوتي ستتغير.

أصبحت أواجه صعوبةً في التعبير عن فرحي، أو حزني، وبدأت أحس أن هناك طاقةً قويةً تجذبني للداخل.

عندما أضحك لا أحس بالفرح، وعند الحديث أحس أن نبرة صوتي ليست طبيعيةً، وعندما أشعر بالغضب لا أستطيع الصراخ، أو التعبير عن هذا الغضب، وهذا الإحساس يعذبني كثيرًا، وعندما أكون في تجمع عائلي أو وظيفي أحس بعناء كبير، وألم في قلبي، وتقلص في أمعائي.

بدأت أفقد الإحساس بالمتعة في أي شيء أعمله، أو أحصل عليه، وبدأت ألاحظ في أوقات كثيرة أنني أضغط على أسناني من الخلف من غير أن أشعر بذلك، وفي فترة حملي -في خضم هذه المعاناة- انتابني شعور الخوف من الموت؛ فأصبحت أخاف من كل شيء، حتى من النوم، وبدأت أصارع الأفكار والوساوس التي تطرق رأسي، فأصبحت أبكي بشكل يومي تقريبًا بيني وبين نفسي، من غير أن أعلم أحدًا بما أحس به، حتى عند تفكيري بالقيام بعمل صالح، يخطر ببالي أنني سأعمل هذا الشيء؛ لأن موتي أصبح قريبًا، فتنتابني موجة حزن، وبكاء، وتفكير.

وفي الشهر السادس من حملي تم تنويمي في المستشفى لمدة شهر تقريبًا؛ بسبب ارتفاع ضغط الدم، وعندما سألت الدكتور عن سببه قال لي: بأنه ضغط الحمل، علمًا بأن ذلك لم يحدث لأي واحدة من أخواتي، وبدأ الخوف من الموت يزداد أكثر في هذه الفترة، وكنت أتظاهر بالقوة، ولا أحدث أحدًا بما ينتابني من أفكار، على الرغم من أنني كنت أتألم، وأتعذب كثيرًا.

وفي بداية الشهر السابع اضطر الأطباء إلى توليدي قيصريًا؛ بسبب ارتفاع ضغط الدم، وانخفاض نبض الجنين، فهل كانت حالتي النفسية هي السبب في ارتفاع الضغط لدي؟

وللعلم: فقد كانت علاقتي الزوجية تشوبها فترات من التوتر، والخلافات، والشجار، والبكاء، ولكن بعد الولادة عاد ضغط الدم إلى مستواه الطبيعي، إلا أن حالتي النفسية ازدادت سوءًا، والخوف من الموت كبر لدي، وفقدت الإحساس بالاستماع بأي شيء، حتى ابنتي لم أقضِ معها لحظات ممتعة؛ بسبب ما كنت أشعر به من قلق، وخوف، وارتباك، وتعب من أي مجهود أبذله، حتى لو كان بسيطًا.

لقد استخدمت حبوب منع الحمل بعد الولادة بستة أشهر، وتوقفت بعد أن أكملت ابنتي السنتين، ومنذ شهرين عملت فحصًا للهرمونات؛ بسبب عدم انتظام الدورة الشهرية، وإحساسي بالتعب لأي مجهود حتى لو كان بسيطًا، وتم تشخيص حالتي بأن عندي ارتفاعًا في هرمون الغدة الدرقية، وأتناول دواءً يسمى: Propylthiourcil tablets 50 mg مرةً واحدةً يوميًا.

لقد زاد وزني بعد أن بدأت باستخدام هذا الدواء، ولا زلت أعيش في دوامة الخوف من الموت، والقلق، والارتباك عند انخراطي في أي تجمع عائلي، أو وظيفي، وازداد الأمر سوءًا فأصبحت أرتبك وأتوتر حتى عند حديثي، أو وصفي لأي موضوع، حتى لو كان أمام شخص واحد، ولا أحد يعلم بمعاناتي، خوفًا من نظرات الشفقة، أو أن يقال علي بأنني ضعيفة الشخصية.

وللعلم: فإن علاقتي الزوجية ما زالت تمر بفترات من التوتر، والخلافات، والشجار، والبكاء، فهل أجد لديك العلاج والدواء المناسب لي مهما كان سعره، والذي لا يتعارض مع حبوب الغدة، ولا يزيد من وزني؛ لأن وزني أصبح يزداد بعد تناولي لحبوب الغدة.

أريد أن أستمتع، وأعيش حياتي في استقرار وهدوء نفسي.

وفقك الله، وجزاك عنا خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/.. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد قمت بالاطلاع على رسالتك بكل تفاصيلها، وبكل تمعن في محتواها، وحالتك هي حالة بسيطة على الرغم مما سببته لك من معاناة، وتعتبر مثاليةً من ناحية الوصف الطبي، والأمر كله قد بدأ لديك بقلق نفسي بسيط، وبعد ذلك بدأ الأمر يتطور بصورة ارتقائية، وتحول هذا القلق إلى نوع من المخاوف النفسية، وخاصةً في الإطار الاجتماعي، وبعد ذلك تولّدت لديك وساوس قهرية، بدرجة ليست شديدةً، ولكن من الواضح أنها قد زادت من معاناتك النفسية، وحتى لا تنزعجي كثيرًا أقول لك: بأن الخوف والوساوس ما هي إلا نوع من القلق النفسي، وليس أكثر من ذلك.

ولا شك أن القلق من هذا النوع، وبهذا الحجم، وبهذا التراكم، سوف يؤدي إلى عسر في المزاج، ولذا شعرت بأنك غير مرتاحة، وأنك لا تستمتعين بالحياة بالصورة المطلوبة، وظهرت لديك الأعراض الجسدية للقلق، مثل: تقلص الأمعاء، وهذه الحالات بالطبع كثيرة جدًا، أي أن الأعراض النفسوجسدية التي هي في الأصل تكون مصاحبةً لحالات القلق.

بالنسبة لفترة الزواج والحمل: فلا شك أن هذه من المفترض أن تكون فترةً جيدةً في حياتك، وتحسين فيها بالسعادة، ولكن نسبةً لقوة القلق لديك، فإنك لم تحسي بنوع من الوئام النفسي، والتوافق النفسي مع ذاتك، ومع محيطك.

وبعد ذلك أتى الحمل، وتخلله ارتفاع في ضغط الدم، وهذا يسمى: بضغط الجنين، وهو أمر معروف، يُصيب النساء خاصةً في الحمل الأول، ولا علاقة له مطلقًا بالحالة النفسية، لا من قريب، ولا من بعيد، وقرار الطبيب بأن تتم الولادة مبكرًا كان قرارًا صائبًا، ما دام هنالك ضعف في نبض الجنين، وتزايد في ضغط الدم، ووبما أن الضغط أصبح في مستواه الطبيعي -بفضل الله-، فأرجو أن لا تنزعجي لهذا الأمر أبداً، وأنا أؤكد مرةً أخرى أنه ليس لحالتك النفسية أي علاقة بما يعرف بضغط الجنين؛ فهذه الحالة تحت الأبحاث، وحتى الآن لم يتوصل الأطباء لمعرفة أسبابها.

سوء الحالة النفسية بعد الولادة: هو تطور طبيعي بالنسبة للشخص الذي لديه في الأصل الاستعداد للقلق، والخوف، والتوتر، ومن المعروف أن فترة النفاس فيها الكثير من التغيرات الهرمونية، والتغيرات النفسية، والوجدانية، وبالنسبة لك كانت هذه الفترة شاقةً من الناحية النفسية؛ لأن لديك الاستعداد للقلق، والخوف، وأعتقد أيضًا أن زيادة إفراز الغدة الدرقية أدى إلى زيادة القلق، ومن المعروف تمامًا أن نشاط الغدة الدرقية حين يزداد بواسطة هرمون الثايروسكن، فإن هذا سيؤدي إلى حالة من القلق والتوتر، ومن تسارع ضربات القلب، وفقدان للوزن.

وهذا العامل مهم جدًا، ونحن حريصين دائمًا بأن نقوم بفحص مستوى هرمون الغدة الدرقية للأشخاص الذين يأتون في حالة من القلق النفسي لأول مرة، وقد قام الأطباء بإعطائك العلاج الصحيح، والزيادة التي حدثت لك في الوزن ليست ناتجةً من الدواء الذي تتناولينه الآن، إنما نتجت من التحكم في زيادة إفراز الهرمون؛ لأن نشاط الغدة الدرقية الزائد يؤدي إلى انخفاض في الوزن، بالرغم من تحسن الشهية لتناول الطعام.

أرجو أن أكون قد أوضحت لك الجانب الطبي، والجانب التشخيصي لحالتك، وأنا أؤكد لك أنها -إن شاء الله- حالة بسيطة بالرغم مما سببته لك من معاناة.

الخلاف بينك وبين زوجك، والتوتر، والشجار، لا شك أنه أمر مؤسف، وأنا أقول لك: إنه يجب أن تبذلي أقصى ما تستطيعين للحفاظ على بيتك، وزوجك بصورة جيدة، وبصورة فاعلة، وأنا أعتقد أن حالتك النفسية ربما تكون قد ساهمت بقدر ما على عدم تحملك للخلافات البسيطة، وأريد منك المزيد من الصبر، والمزيد من التروي، وأن تحافظي على زواجك مهما كانت الظروف.

وأنا من جانبي سأقوم بوصف علاج فعّال جدًا بالنسبة لك:

أعتقد أن الدواء الأفضل، والذي لا يتعارض مع دواء الغدة، وليس له آثار جانبية، وليس بإدماني، هو العقار المعروف تجاريًا باسم (سبرالكس CIPRALEX)، ويعرف علميًا باسم: (استالوبرام ESCITALOPRAM)، أرجو أن تتناولي هذا الدواء بجرعة عشرة مليجرامات ليلاً، استمري على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرين مليجرامًا ليلاً، واستمري عليها لمدة شهرين أيضًا، ثم خفضي الجرعة إلى عشرة مليجرامات ليلاً، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، ثم خمسة مليجرامات -أي نصف حبة من فئة الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرامات-، واستمري على هذه الجرعة الصغيرة لمدة شهر، ثم خمسة مليجرامات يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

السبرالكس: يعتبر هو الدواء المثالي، والدواء الأفضل، ويجب أن أكون واضحًا معك: أن هذا الدواء في بعض الحالات ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة جدًا في الوزن، وهذا ربما لا يحدث، وإن حدث فهو يكون في الأسابيع الأولى، بعد ذلك يرجع الوزن لوضعه الطبيعي، فأرجو منذ البداية أن تكوني حريصةً في نوعية الطعام الذي تتناوليه، وقومي أيضًا بممارسة الرياضة؛ لأن هذا الدواء دواء نافع جدًا لك.

وبجانب السبرالكس أريدك أيضًا أن تتناولي دواءً إضافيًا يعرف باسم: (ديناكسيت DENAXIT)، أرجو أن تتناوليه بجرعة حبة واحدة في الصباح لمدة شهرين، ثم توقفي عن تناوله، وهو دواء مضاد للقلق، ويعرف أنه مفيد، وليس له آثار جانبية.

أيتها الفاضلة الكريمة: بجانب العلاجات الدوائية التي ذكرناها لك، أرجو أن تتأكدي أن هذه الحالة بسيطة -كما ذكرت لك-، والأمر الآخر والضروري هو أن تتابعي وظائف الغدة الدرقية مع طبيب الغدد، والأمر الثالث: هو أن تمارسي الرياضة -أي نوع من الرياضة-؛ لأنها تؤدي إلى بناء طاقات نفسية جديدة.

يجب أن لا تهتمي أبدًا بالأفكار السلبية المشوهة التي قد تسيطر على تفكيرك، وأرجو أن تحفزي، وأن تبني أفكارًا إيجابيةً جديدةً؛ فأنت لديك من الأشياء الجميلة والكثيرة جدًا في حياتك، فيجب أن تتأملينها، وتتدبرينها، وأن تستمتعي بها.

وختاماً نسأل الله لك العافية، والشفاء، والتوفيق، والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً