الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلق المخاوف أرهقني وأفسد حياتي، فكيف أتخلص منه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أنا شخصٌ تنتابني نوبات قلق شديدة، أشعر خلالها بخفقات قلب سريعة، وأتوهم حينها أنني سأموت أو أنني سأُصاب بجلطة قلبية.

ترافقني هذه الحالة منذ الطفولة، وقد قرأت بعض الكتب في الصحة النفسية، وربما أكون مصابًا بعُصاب القلب.

أنا أخاف كثيرًا، ولا أستطيع الذهاب إلى السوق، ولا السفر، ولا الركوب في الحافلة، ولا حتى الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة، ولا مزاولة دراستي أو العمل، مع أنني بعمر 23 سنة.

أقوم بالصلاة في وقتها وأقرأ القرآن الكريم، ولجأت إلى الرقية الشرعية، لكنني لم أستطع الذهاب إلى الطبيب النفسي أو إلى طبيب الأعصاب؛ لأنني لا أستطيع حتى السفر القصير.

أعاني من بعض الأعراض العصبية والقلق الشديد، ويصيبني إسهال أو إمساك أحيانًا، إضافة إلى الخفقان السريع، والدوران عند الوقوف. وقد مارست كثيرًا من التقنيات النفسية، كجلسات التحليل النفسي، والاسترخاء، والإيحاء الذاتي، لكنها لم تجدِ نفعًا.

لذلك، أشعر بأنني بحاجة إلى العلاج الدوائي بشكل أكبر.

أرجوكم ساعدوني، علمًا بأن حياتي إذا بقيت على هذا الحال فلن أستطيع أن أفعل شيئًا، وسأظل خائفًا من كل شيء.

جزاكم الله كل خير، ودمتم في حفظ الله ورعايته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأقول لك: نعم، أنت مصاب بما يعرف بقلق المخاوف، والمخاوف التي تنتابك فيها الجزء الاجتماعي، وفيها جزء آخر يسمى بنوبات الهلع أو الهرع، وهذه الحالات منتشرة وهي كثيرة جدّاً، وتندرج تحت أمراض القلق كما ذكرت لك من الناحية التشخيصية.

بالنسبة للعلاج الدوائي – حسب طلبك – أقول لك: نعم بفضل الله تعالى توجد أدوية فعالة وممتازة جدّاً، والحكمة في فعالية الدواء تتأتى من أن هذه المخاوف يُعتقد أنها ذات منشأ بيولوجي بجانب المنشأ النفسي؛ حيث إنه توجد في داخل الدماغ ما يسمى بالمرسلات أو الموصلات العصبية، وهي مواد كيميائية خاصة تتحكم في عواطف ووجدان الإنسان لدرجة كبيرة، ويُعتقد أنه في حالة الخوف والرهاب والقلق وكذلك الوساوس والاكتئاب، يحدث نوع من التأرجح أو عدم الانتظام أو الضعف في إفراز مادة تعرف بـ(السيروتونين Serotonin)، وهذه الأدوية بفضل الله تعالى تضع هذه المادة في مسارها الكيميائي الصحيح.

لذا أخي الكريم: توجد مبررات قوية جدّاً لاستعمال هذه الأدوية، ولدينا مجموعة طيبة منها ما هو غير إدماني وغير تعودي، وسوف أختار لك (سبرالكس Cipralex)، والذي يعرف علمياً باسم (استالوبرام Escitalopram)؛ لأنني أعتقد أنه هو الأفضل، فأرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة عشرة مليجرام ليلاً، يفضل تناوله بعد الأكل، استمر عليه لمدة شهرين، ثم بعد ذلك ارفع الجرعة إلى الجرعة العلاجية الصحيحة، وهي عشرون مليجراماً يومياً، استمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم خفض الجرعة مرة أخرى إلى عشرة مليجرام ليلاً كجرعة وقائية، استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك خففها إلى خمسة مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم إلى خمسة مليجرام يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء، والسبرالكس كما ذكرت لك يعتبر من أفضل الأدوية التي تعالج قلق المخاوف.

يأتي بعد ذلك أن تطبق ما ذكرته من إيحاء ذاتي وتمارين الاسترخاء، وما يعرف بالتصور المعرفي الإيجابي، وتحقير فكرة الخوف، والإصرار على التواصل الاجتماعي، ويا أخي، من أفضل أنواع التواصل الاجتماعي هو أن يؤدي الإنسان الصلوات الخمس في المسجد، وأن يجلس مع إخوانه بعد الصلاة، وأن يشارك في حلقات التلاوة، فالمشاركات الاجتماعية بجميع أنواعها تطور المهارات الاجتماعية لدى الإنسان وتزيل المخاوف.

كما أن ممارسة الرياضة خاصة الرياضة الجماعية، مثل كرة القدم؛ وُجد أنها ذات فائدة علاجية كبيرة جدّاً.

أخي الكريم: احرص على هذه التطبيقات، وأحمد الله تعالى كثيراً أنك محافظ على صلاتك، وتقرأ القرآن، وتلجأ إلى الرقية الشرعية، فهذه لا شك أنها ستعود عليك بفوائد عظيمة، وعليك بالأخذ بالأسباب وإتمام الرزمة العلاجية بالدواء الذي وصفناه لك، وهذا الدواء متوفر في معظم الدول ولا يحتاج إلى وصفة طبية، وكما ذكرت لك فإنه دواء سليم، وسليم جدّاً، وليس له أثر جانبي، غير أنه ربما يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن لدى بعض الناس، كما أنه قد يؤخر القذف قليلاً لدى بعض الرجال، ولكنه قطعاً لا يؤثر على ذكورة الرجل أو القدرة على الإنجاب، أو التأثير على مستوى الذكورة.

أخي الكريم: أتقدم لك بالشكر والتقدير، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً